يخوض كل من لويس دي لا فوينتي مدرب منتخب إسبانيا، وجوليان ناغلسمان مدرب ألمانيا، غمار كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم للمرة الأولى في مسيرتيهما، لكنهما في هذه النسخة (يورو 2024) تمكنا من إعادة الطابع التنافسي للمنتخبين اللذين ظهرا مؤخرا كأنهما عالقان في الماضي.
ويلتقي المدربان غدا الجمعة من أجل مقعد في نصف نهائي البطولة التي أثبتا خلالها أنهما لديهما طريقة متشابهة لفهم كرة القدم، على الرغم من الاختلافات بين الطريق الذي خاضه كل منهما.
ووصل المدربان إلى هذه اللحظة الرائعة في توقيتين عمريين مختلفين، فعمر ناغلسمان 36 عاما فحسب، لكنه حظي بخبرة مع فرق ذات متطلبات كبيرة.
ربما تعد قصته مثيرة للفضول، فقد لعب تحت إمرة توماس توخيل، وانتهى به المطاف وهو يواجهه من على مقاعد الإدارة الفنية.
بالنسبة إلى لويس دي لا فوينتي فامتدت مسيرته في الملاعب بصورة لم يحظ بها ناغلسمان، وجاءت له وهو في عمر الثالثة والستين فرصة حياته في مجال التدريب بعد أن ظل مبتعدا عن الأضواء خلال جانب كبير من مسيرته، على الرغم من النجاحات التي حققها مع منتخبات الشباب الإسبانية.
يمثل كل منهما انعكاسا لحياة مغايرة، لكنهما يتشاركان أسلوبا واحدا (مع بعض الاختلافات بالطبع) ويوم الجمعة سيتصارعان من أجل مقعد في نصف النهائي.
وتعثرت مسيرة ناغلسمان وهو لاعب بسبب إصابات الركبة، لكن توخيل منحه فرصة العمل ككشاف في أوغسبورغ، الفريق الألماني شبه المحترف.
برز هناك ولفت الأنظار في هوفنهايم، حيث درب فريقيه تحت 16 و19 عاما حتى 2015، حين عين مدربا للفريق الأول وعمره 28 عاما فحسب، ليصبح أصغر مدرب في تاريخ كرة القدم الألمانية.
بعدئذٍ بعام قاد الفريق إلى دوري الأبطال ليصبح أصغر مدرب في تاريخ المسابقة، ثم انتقل في 2019 إلى لايبزيغ، الذي كان بمثابة منصة قفز أوصلته إلى بايرن ميونخ في 2021 الذي سدد 25 مليون يورو للتعاقد معه، وظل هناك حتى 2023 ليرحل بعد سلسلة من النتائج السيئة.
ولأن الحياة بشكل ما عبارة عن مزحة فقد تعاقد النادي البافاري مع مُعلمه، توماس توخيل، بديلا له.
بعدئذٍ وقع ناغلسمان عقدا لتدريب المنتخب الألماني حتى 31 يوليو/تموز 2024 بهدف الظفر بلقب نسخة اليورو التي تنظمها ألمانيا.
بالنسبة إلى قصة دي لا فوينتي، فهي تخلو من كل هذه الدراما، فبعد أن أنهى مسيرته كلاعب احتل الرواق الأيسر، لم يحظ بفرص لتدريب أندية كبيرة، مع أنه لعب لفرق مثل أتلتيك بيلباو وإشبيلية.
حين جاء عام 2013 بدأ مسيرته التدريبية في القطاعات الصغرى للمنتخب الإسباني وأصبح رجلا موثوقا من قبل الاتحاد بسبب نتائجه الجيدة.
وتمكن دي لا فوينتي من التتويج ببطولة اليورو تحت 19 عاما في 2015 ودورة ألعاب المتوسط في 2018 ويورو تحت 21 عاما في 2019 وفضية أولمبياد طوكيو 2020.
وفي 2022 عين مدربا للمنتخب الأول وتغيرت حياته بالكاملة. بدأ يحصل على دور البطولة ويحول المنتخب إلى نسخة منه.
وبدأت النتائج، فبعد 11 عاما من مخاصمة الألقاب توج الإسبان في 2023 بدوري الأمم، أول لقب منذ التتويج بيورو 2012.
أمور مشتركة
وإن أُجريت مقارنة بين المدربين، فعلى الرغم من هذا الفارق الرهيب في الوصول إلى هذه اللحظة الفارقة بالنسبة إلى المدربين، وأيضًا مسألة الفارق العمري، فثمة أمور كثيرة تجمعهما كرويا.
يبدأ المدربان المباريات بشكل مجنون، عبر ضغط خانق على الخصم. يكفي فقط إلقاء نظرة بسيطة. ألمانيا مثلا سجلت أمام إسكتلندا (ق12) و(ق19) وأمام المجر (ق22) وأمام الدنمارك (ق4، لكن تعرض الهدف للإلغاء). بالنسبة إلى إسبانيا فسجلت أمام ألبانيا (ق13)، وأنهت الشوط الأول أمام كرواتيا بثلاثية.
يريد كلا المدربين الاستحواذ، لكن ليس الاستحواذ في أي مكان وبأي طريقة، وإنما عبر معرفة ماهية المكان الذي سيوصلون إليه الكرة لإلحاق الضرر بالخصم، والتمكن من توليد الأفضلية عبر الجناحين، والتسجيل كلما سنحت الفرص.
لهذا، صار فريق كل منهما أكثر فاعلية مما كان عليه منذ سنوات.
ويعد المنتخب الألماني الأكثر تسجيل للأهداف حتى الآن بـ10 أهداف، وتليه إسبانيا بتسع أهداف. الأرقام هنا تتحدث عن نفسها.
وربما مرد كل هذا على الرهان على اللاعبين العموديين: لامين يامال ونيكو ويليامز في إسبانيا وجمال موسيالا وليروي ساني وفلوريان فيرتز في ألمانيا. إنهم أولئك اللاعبين الذين يمضون بسرعات مختلفة وقادرون على خلخلة دفاعات الخصوم ويضعون المرمى أمامهم بين أعينهم.
هكذا، جرى الانتقال من الاستحواذ العقيم إلى الاستحواذ الفعال والخطر عبر الأطراف واللعب العمودي.
إنها بالطبع واحدة من أهم المباريات في مسيرة المدربين، إن لم تكن الأهم. ثمة فرصة لتحقيق شيء عظيم في اليورو، في مباراة يعدها كثيرون نهائيا مبكرا. أسلوبان متشابهان وطريقتان مختلفتان في الوصول إلى المجد، وستحسم كل الأمور غدا في شتوتغارت.
(وكالة الأنباء الأسبانية)