حصل الجنرال موسى تراوري على 99% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية بدولة مالي منتصف عام 1979، ما أشعل فتيل شرارة الاحتجاجات الطلابية، التي تطورت إلى عدة محاولات انقلاب، جعلت كثيرين يهربون من البلاد، وأحدهم اتجه في 1980 إلى باريس، ليُبشر بعد 11 عامًا بقدوم مولوده نغولو، الذي أصبح أحد أهم محاور الارتكاز في كرة القدم الحديثة.
وأعلن نادي الاتحاد السعودي، يوم الأربعاء الماضي، التعاقد مع نغولو كانتي، متوسط ميدان تشيلسي اللندني، بعقد يمتد حتى عام 2027، في ثاني صفقاته الصيفية، بعد مواطنه كريم بنزيما، نجم ريال مدريد الإسباني.
واستقر كانتي الأب في ضاحية “رويل مالمايسون”، التي تبعد عن باريس قرابة 50 دقيقة، وضيق ذات اليد، جعل الرجل القادم من مالي يقطن في الضاحية المعروفة بالفقر ونسبة الجرائم العالية، وبدأ بعدها يعمل كجامع قمامة ليطعم أطفاله، وفي 29 آذار/مارس 1991 تلقى خبر ولادة طفله الذي اختار له اسم نغولو.
وجاء اختيار اسم نغولو تيمنًا بالملك نغولو ديارا، الذي كان مملوكًا لإحدى زوجات الملك بيتون كوليبالي في غرب مالي اليوم، قبل أن يتحرر ويصيح ملكًا لمملكة سيغو في القرن الثامن عشر الميلادي.
وكان والد نغولو يواصل عمله في جمع القمامة، بينما والدته تعمل كخادمة منزلية، الطفل نغولو بدأ بمساعدة والده بعمر 7 أعوام، حينها كانت البلاد تستضيف كأس العالم، ووجد كانتي الصغير المناطق المحيطة بالملاعب مليئة بالقمامة التي يمكن إعادة تدويرها، وفي ذات الوقت كان يرى البلاد تصطف صفًا واحدًا خلف منتخب فرنسي يحتوي على قائمة كبيرة من مهاجرين أفارقة، يتقدمهم زين الدين زيدان وباتريك فييرا وليليان تورام، ما دعاه إلى التفكير باختيار كرة القدم مسارًا مهنيًا له، وفي العام اللاحق، استفاد كانتي من ثورة عمت فرنسا شهدت اهتمام المجتمع بكرة القدم، وساعده في ذلك افتتاح الكثير من الأكاديميات، والتي دخل إحداها الصغير ليبدأ مشواره مع كرة القدم.
ويقول زميله فرانسوا ليموان في أكاديمية “جي إس سوريسنس”: “كان كانتي أصغر منا بـ3 أعوام، وكنا حينها نلعب أمام أحد الفرق المحلية، دخل في الدقائق العشر الأخيرة، ومع ذلك لم يستطع أي لاعب من الخصم تجاوزه، لقد أذهلنا بشكل لا يصدق”.
ويعتبر الفرنسيون عام 2002 من أكثر الأعوام إحباطًا بالنسبة لهم في كرة القدم، فالمنتخب الحائز على المونديال السابق وبطولة أوروبا قبلها بعامين ودع كأس العالم من الدور الأول، لكن بالنسبة لنغولو كانتي كان أكثر الأعوام حزنًا في حياته، إذ توفي والده وترك له مهمة إعالة عائلة كبيرة تعيش تحت خط الفقر.
ولملم كانتي جراحه وقرر التركيز على كرة القدم، وبعد 4 أعوام في فريق الأكاديمية نضج كشخص ولاعب كرة قدم، وفي 2010، انتقل إلى فريق بولون في الفئات السنية، وبعد عامين، صعد إلى الفريق الأول، وفي الموسم اللاحق انتقل إلى كاين، وهناك بدأت الأعين تراقب ابن المهاجر.
وفي موسمه الثاني، قال المدافع الفرنسي الدولي السابق ميكيل سيلفستر إن نغولو سينسي الجميع كلود ميكاليلي، ولم يكن لاعب مانشستر يونايتد وأرسنال السابق مخطئا، لأن كانتي كان اللاعب الأكثر قطعًا للكرات في الدوريات الخمس الكبرى.
وبدأت فترة الانتقالات الصيفية وتقدمت أندية مرسيليا وليون ووست هام بعروض للحصول على لاعب الوسط المدافع، لكن وجود المدرب الإيطالي كلاوديو رانييري كان سببًا في أن يوقع مع ليستر سيتي، وأتى الرهان أكله بعد موسم واحد فقط، عندما ساهم نغولو بالإضافة إلى رياض محرز وجيمي فاردي بفوز ليستر بالدوري الإنجليزي للمرة الأولى في تاريخه، في قصة لا تتكرر كثيرًا في عالم كرة القدم، وهنا تدخل العملاق تشيلسي ليدفع 38 مليون يورو من أجل التعاقد مع المدافع الفرنسي، ومجددًا فاز كانتي بالدوري الإنجليزي وجائزة أفضل لاعب في الموسم.
وفي العام اللاحق، بدأت المشاكل تلاحق نغولو حتى وهو يحاول الابتعاد عنها، إذ كشفت مجلة “فرانس فوتبول” أن كانتي تعرض للخطف من قبل شخصين يعرفهما وطلبا منه تغيير وكيل أعماله للحصول على حصة من المال، وبحسب المجلة، فإن أحدهما وجه مسدسًا نحو ركبة اللاعب الفرنسي، مهددين إياه بإنهاء مسيرته في عالم كرة القدم، قبل أن يتم إنقاذه.
وبعد 20 عامًا منذ كان يلف بالقرب من ملاعب كأس العالم في فرنسا، جاء لنغولو الخبر السعيد: “ستكون ضمن قائمة المونديال في روسيا”، ولكنه صدم بخبر مؤلم قبل أسابيع من بداية البطولة، إذ باغتت أزمة قلبية شقيقه وفارق الأخير الحياة.
وفي روسيا، تحامل نغولو على آلامه، وأصبح ملهمًا لجميع الفرنسيين، عندما قدم أداء رفيعًا في المونديال، ساهم في إضافة النجمة الثانية على صدور “الديوك”، ليحقق الحلم الذي رآه يومًا ضربًا من خيال.
ورقص لاعبو فرنسا وغنّوا في موسكو بعد الفوز على كرواتيا في المباراة النهائية، لكن الخجول كانتي لم يجرؤ على الاقتراب من ملامسة الكأس، وهنا يقول زميله أولفييه جيرو: “كان دوري حينها لحمل الكأس ورأيته ينظر بخجل نحوها، خاصةً أن الأشخاص كانوا يصورون معها، قبل أن يحضروها له ويطلبوا منه أن يلتقط صورته الخاصة مع إنجاز كان فيه أحد أكبر المساهمين”.
(العربية نت)