ربما أخفقت السعودية في استقطاب الأرجنتيني ليونيل ميسي، لكن الترحيب الصاخب والكبير بالفرنسي كريم بنزيما والاندماج المفاجئ الذي أذهل عالم الغولف، يسلّط الضوء على مدى الطموحات الرياضية للمملكة الخليجية الغنية بالنفط.
وفي حفل صاخب مساء يوم الخميس، احتفل ألوف المشجعين بتقديم بنزيما في ناديه الجديد الاتحاد، حاملًا كرته الذهبية لأفضل لاعب في العالم، وسط ألعاب نارية وقنابل دخانية، فيما أضاءت الطائرات المسيرة الملعب، وشكلت ملامح وجهه في السماء.
وجاءت المراسم الاحتفالية بمهاجم ريال مدريد الإسباني السابق، غداة قرار بطل العالم ميسي الانضمام لنادي إنتر ميامي الأميركي رافضًا عرضًا سعوديًا قياسيًا، على غرار تقديم البرتغالي كريستيانو رونالدو لاعبًا للنصر في كانون الثاني/يناير الفائت، بعد قدومه إلى النصر، في لحظة سلّطت الأضواء بقوّة على الكرة السعودية.
ومذاك، استهدف رجال صندوق الاستثمارات العامة، أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم بأصول تتجاوز 620 مليار دولار، عددًا من نجوم الصف الأول في كرة القدم، من بينهم ميسي أفضل لاعب في العالم لسبع مرات.
واستنادًا على العوائد النفطية الضخمة، أحرزت المملكة الخليجية مركزًا بارزًا في عالم الرياضة، باستثمارات تقدر بمئات الملايين من الدولارات.
وبالنسبة لكرة القدم، يُعدّ الهدف المفترض هو استضافة كأس العالم 2030، بغرض تعزيز مكانة وصورة السعودية، فيما تحاول تنويع اقتصادها المرتهن بالنفط من خلال جذب السياح والمستثمرين.
وقال المحلل الرياضي المصري أمير عبد الحليم، الذي يظهر بانتظام على محطة “شركة الرياضة السعودية”، إنّ “السعودية تضع نصب أعينها تنظيم كأس العالم 2030”.
وتابع أنّ “استقطاب رونالدو ونجوم آخرين سيوفّر دعايةً مستمرّةً للرياضة السعودية وسيساهم في ضمان الاهتمام العالمي بملف السعودية لكأس العالم عند إطلاقه”.
الألعاب الأولمبية؟
والعام الماضي، أكد وزير الرياضة السعودي، الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل، لوكالة “فرانس برس”، أنّ استضافة الألعاب الأولمبية هي “المبتغى بالنسبة لنا”.
وخلال الأعوام القليلة المقبلة، تنظم السعودية كأس آسيا لكرة القدم في 2027 ودورة الألعاب الآسيوية، وهو حدث متعدد الرياضات واسع النطاق، في 2034، إلى جانب دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029.
وبعد الاستحواذ على فريق نيوكاسل يونايتد الإنجليزي لكرة القدم واستضافته أول سباق فورمولا واحد في الأشهر الأخيرة من عام 2021، تتابعت خطوات المشروع السعودي بسرعة مذهلة، ففي مجال الغولف، أغرى دوري “ليف غولف”، الذي أطلقته السعودية في نهاية 2021، عددًا من أبرز لاعبي الغولف بعروض مذهلة، ونظّم أول بطولة له في حزيران/يونيو 2022، ما أثار رد فعل غاضب من دوري “بي جي أيه” الأميركي ودوري “دي بي وورلد تور” الأوروبي.
ويوم الثلاثاء الماضي، وبعد عامين من العداء والدعاوى القضائية، وُقّعت اتفاقية من شأنها أن تؤدّي إلى إنشاء “كيان ربحي جديد مملوك جماعيًا”، لم يتم تسميته بعد، برئاسة ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة.
ومنذ وصول الأمير محمد بن سلمان (37 عامًا) لولاية العهد في 2017، تشهد المملكة، التي ظلت مغلقة لعقود، انفتاحًا اجتماعيًا واقتصاديًا واسع النطاق وغير مسبوق.
وهي تنفق ببذخ في إطار استراتيجية لتحسين صورتها، فتقوم ببناء مرافق سياحية جديدة على ساحل البحر الأحمر ومدينة مستقبلية بقيمة 500 مليار دولار.
“حكومة ثرية جدًا“
لكن الخبير السعودي المقرّب من مركز القرار في الرياض، علي الشهابي، قال إنّ شراء نجوم عالميين للأندية السعودية “ليس له علاقة بالسياحة على الإطلاق”.
وأفاد لوكالة “فرانس برس” أنّ “الأمر مرتبط تمامًا ببناء الدوري السعودي لجذب حماس الشباب السعودي للرياضة”.
وأقرّ أن “العائد غير ملموس”، متابعًا: “لا يمكنك حقًا قياس أثره المالي”.
ولدى السعودية بالفعل دوري تنافسي يحظى بمتابعة كبيرة محليًا، في بلد يشكّل الشباب دون 30 عامًا 51% من إجمالي سكانه، البالغ عددهم 32,2 مليونًا، كما أن منتخبها، بطل آسيا ثلاث مرات، هزم الأرجنتين وميسي في دور المجموعات من كأس العالم الأخيرة.
وتأمل السعودية أن يكون للاستثمار الكبير في دوري محلي قوي مردود واضح على مستوى ونتائج منتخبها الوطني.
وبالنسبة للمحلل المصري عبد الحليم، يختلف المشروع السعودي في شكل جوهري عن موجة شراء الأندية الصينية لاعبين واعدين ومدربين كبار خلال العقد الماضي، وهو مشروع سخي أيضًا، لكنّه انهار مع دخول سوق العقارات في الصين أزمة مالية خانقة آنذاك.
وفي المقابل، تتدفق ثروات النفط إلى الخزائن السعودية في الآونة الأخيرة، خصوصًا منذ العام الماضي، حين أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار “الذهب الأسود” بشكل كبير.
وسجّلت “أرامكو” السعودية، شركة النفط الحكومية التي يرأسها الرميان، المولع بالغولف، أرباحًا سنويةً قياسيةً، بلغت 161,1 مليار دولار في 2022.
وقال عبد الحليم إنّ “المشروع السعودي الحالي مختلف عن الصين، لأن الأندية الصينية كانت تدفع أموال باهظة، لكن ليس لنجوم الصف الأول”.
وأشار إلى أنه “مختلف أيضًا عن المشروع الأميركي، لأن مشروع أميركا الغرض منه تطوير شعبية كرة القدم هناك.. وفي السعودية، كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى والدوري السعودية تنافسي بالفعل”.
ويوم الثلاثاء الماضي، أعلن وزير الرياضة السعودي استحواذ صندوق الاستثمارات العامة على 75% من أندية الهلال والنصر والاتحاد والأهلي، الأبرز في البلاد، وهو ما سيوفر قدرة مالية هائلة لها.
وأشار عبد الحليم إلى أن المشروع السعودي الحالي “مدعوم من حكومة ثرية للغاية”.
(أ ف ب)