هو واحد من أساطير كرة القدم المغربية، ولكن الفرنسية أيضًا، وإذا ما رأى العربي بن مبارك أسطورته تتأثر بفعل الحرب وتنهار مع مرور الوقت، فإن نصف نهائي مونديال قطر 2022 بين المغرب وفرنسا هو فرصة للتذكير بـ”البصمة” التي تركها على ضفّتي المتوسّط.
لماذا؟، ذلك لأنه فيما تتحطم الأرقام القياسية في قطر مع عناصر المنتخب حامل اللقب، من 143 مباراة دولية للحارس هوغو لوريس و53 هدفًا لأوليفييه جيرو، هناك رقم ما زال يقاوم، طول مدة الخدمة في المنتخب الفرنسي (15 عامًا وعشرة أشهر) المسجّل باسم بن مبارك، ابن الدار البيضاء و”إله” الكرة المستديرة كما وصفه يومًا “الملك” البرازيلي بيليه بنفسه.
وفي البدء، كانت الثلاثينيات، فعندما كانت أوروبا على أعتاب الغرق مجدّداً في جنون الحرب، كان أوائل اللاعبين من شمال إفريقيا يحوّلون مرابطهم إلى أراضي القارة العجوز. ومن بينهم رائدهم، العربي بن مبارك، “أوّل من اخترق صفوف المستوى الرفيع” بحسب ما يؤكد لوكالة فرانس برس الجزائري أحمد بصّول المتخصّص بكرة القدم المغاربية ومؤلف كتب عدة عن تاريخها.
حتى منتصف خمسينيات القرن الماضي، كان ذلك المهاجم الرفيع الطراز والذي يتمتع بـ”تقنية استثنائية”، وحيويّ وقويّ، “يميّز العصر ببصمته. كان الجمهور من كل أنحاء فرنسا يذهب لمشاهدته يلعب، لقد كان شيئاً غير عادي. هناك قصص كثيرة عنه” كما يضيف هذا الخبير البالغ من العمر 76 عاماً.
هو “تاريخ كامل” كما وصفه صحافي رياضي شاب يدعى تييري رولان، تحوّل لاحقاً إلى أشهر معلّق فرنسي، في تقرير خاص عن بن مبارك لإذاعة “أو أر تي أف” في العام 1963، عندما اعتبره “واحداً من الاسمين الكبيرين في الرياضة الفرنسية في المغرب، إلى جانب (الملاكم) مارسيل سيردان”.
في ذلك الفيلم الوثائقي، يتحدّث بن مبارك الذي كان مضى على تقاعده حينها ستة أعوام، عن فخر ارتدائه للقميص الأزرق 17 مرة. يقول “إذا ما كانت لديّ سمعة عالمية كبيرة، فهذا بفضل فرنسا”.
ويضيف الشخص الذي عمل بعد ذلك على تدريب أجيال جديدة من اللاعبين المغاربة في تلك المقابلة النادرة “أنا مقتنع بأنه سيكون هناك بعض (اللاعبين) في وقت لاحق من شأنهم أن يحققوا رضاً كبيراً”.
“كان رائعاً“
والأكثر ندرة، للأسف، هي صور اللاعب بن مبارك الذي سحر ملاعب أوروبا، في وقت لم يكن فيه التلفزيون قد فرض نفسه في المنازل بعد.
ضرب بن مبارك الذي وُلد في العام 1917 أولى كراته في الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية، حيث انتهى بلفت أنظار المسؤولين الأوروبيين في نادي الاتحاد الرياضي المغربي.
بعدها جاء نادي مرسيليا، ونادي الملعب الفرنسي (ستاد فرانسيه)، وأتلتيكو مدريد الإسباني الذي تألق فيه في الخمسينيات وسجّل له أكثر من 60 هدفاً في 120 مباراة.
ومع المنتخب الفرنسي؟ “لم يكن النجم موهوباً فقط، بل كان رائعاً!”، كما يقول بصّول.
استجابة للطلب الشعبي، بدأ بن مبارك مع “الزرق” في نهاية العام 1938 في روما، خلال الهزيمة (صفر-1) على أرض معادية في إيطاليا بينيتو موسوليني.
أجّل استعراضه الكبير حتى بداية العام الجديد على ملعب “بارك دي برانس” عند الفوز على بولندا برباعية نظيفة.
اكتسب حينها لقب “الجوهرة السوداء”، لكن صعوده الناري توقّف بسبب الحرب التي دفعته للعودة إلى المغرب.
“سنفكّر فيه قليلاً“
بعد العام 1945، أعادت موهبته فتح باب الفرنسيين أمامه مجدداً، حتى رحيله إلى إسبانيا في العام 1948، بعد تجربة سيئة في فرنسا.
ثم للمرة الأخيرة، في تشرين الأول/أكتوبر 1954، ضد ألمانيا الاتحادية عندما كان يبلغ من العمر 38 عاماً ونصف العام.
هناك، ترك الملعب مصاباً، لكنه عاش “أعظم ذكرياته” بحسب ما قال في التقرير الوثائقي.
ماذا بعد ذلك؟ شارك كلاعب حرّ لمدة عام واحد في النادي الرياضي لمدينة بلعباس، في الجزائر التي انطلقت في حرب التحرير، ثم بعض الخبرة التدريبية لا سيما على رأس “أسود الأطلس” في المغرب الذي استقلّ منذ العام 1956 ولم يتمكّن من اللعب بألوانه.
تدريجياً، سقط العربي بن مبارك في غياهب النسيان، على ضفتي البحر الأبيض المتوسط ، حتى توفي شبه وحيد في الدار البيضاء عام 1992 عن 75 عاماً، لكن في العام 2011، خصّص المخرج المغربي إدريس المريني فيلماً وثائقياً له بعنوان “العربي، أو مصير لاعب كرة قدم عظيم”، ثم نظّم له معهد العالم العربي معرضاً في العام 2019 في باريس.
يقول أحمد بصّول إنه “في المغرب العربي، كنت سعيداً برؤية الناس يتحدّثون عنه. مات دون التكريم الذي يستحقّه. وربما الآن مع مواجهة فرنسا والمغرب، سنفكّر فيه قليلاً”.
(أ ف ب)