في إطار استراتيجيتها الهادفة لاستضافة أول نسخة محايدة للكربون في كأس العالم FIFA قطر 2022، تعمل دولة قطر على إرساء معايير عالمية في مجال المحافظة على البيئة، تشكل نموذجًا يحتذى في البطولات العالمية الكبرى، علاوةً على بناء إرث مستدام يعود بالنفع على الأجيال المقبلة.
ويعني مصطلح “بطولة محايدة للكربون” تحقيق الموازنة في الانبعاثات الكربونية الناتجة عن عوادم السيارات والعمليات المولدة للطاقة، والحرص على عدم زيادة نسبة الكربون في الهواء لتلافي وقوع كثير من المشكلات البيئية أو تفاقمها كالاحتباس الحراري والتغير المناخي الذي قد يتسبب في حدوث كوارث بيئية لا حصر لها.
وتعتمد قطر في استراتيجيتها الساعية لتنظيم أول نسخة محايدة الكربون، على مستوى استدامة للملاعب وفقا للفئات المختلفة بما فيها التصميم والبناء والطاقة واستخدام المياه، فضلا عن تركيب محطات لقياس جودة الهواء والانبعاثات الغازية والغبار في جميع ملاعب المونديال.
واشتملت الاستراتيجية على تنظيم آلية فرز النفايات والمخلفات خلال مرحلة بناء الملاعب، للحد من البصمة الكربونية، الأمر الذي أسفر عن تدوير حوالي 80 بالمئة من النفايات الناتجة عن بناء ملاعب المونديال، فضلا عن المحافظة على المياه وإدارة النفايات وانبعاثات الكربون، واستخدام الطاقة المتجددة متى أمكن، وحماية البيئة، والربط بين المناطق الحضرية.
وفي طريقها لاستضافة أكبر حدث رياضي في تاريخ الشرق الأوسط والعالم العربي، عملت قطر على أن تكون لها بصمتها الخاصة في مجال الطاقة المتجددة، والتركيز على أي التزام أو إجراء في مجال خفض الانبعاثات الكربونية، على أسس علمية مستندة إلى نتائج بحثية دقيقة، وذلك في جميع مشاريع البنية التحتية المتعلقة بالبطولة، بالإضافة إلى مشاريع الملاعب الثمانية المخصصة لاستضافة منافسات المونديال.
ونجحت قطر، على امتداد فترة استعداداتها لتنظيم الحدث الرياضي الأبرز في العالم، في تنفيذ العديد من البرامج والخطط الفعالة للحد من انبعاثات الكربون المضر بالصحة والمناخ، ولاقت استحسانا ودعما محليا ودوليا منقطع النظير.
وشكّلت بطولة كأس العرب FIFA قطر 2021، التي استضافتها قطر نهاية العام الماضي، فرصة مثالية للارتقاء بالاستعدادات لاستضافة المونديال، حيث برزت الملامح الرئيسية على صعيد الاستدامة وحماية البيئة، وجرى مواصلة العمل للبناء عليها وتعزيزها ليترك المونديال إرثا مستداما للأجيال المقبلة.
وتشدد اللجنة العليا للمشاريع والإرث، الجهة المسؤولة عن تسليم مشاريع البنية التحتية اللازمة لاستضافة كأس العالم FIFA قطر 2022، على أن الاستدامة كانت منذ البداية محورا رئيسيا للبطولة، حيث تعاونت في يناير 2020، مع الاتحاد الدولي لكرة القدم /فيفا/ لوضع ميثاق المصادر المستدامة للمونديال، والذي يحدد الحد الأدنى من المعايير التي يجب على الموردين والجهات الراعية للبطولة الالتزام بها، بالإضافة إلى التزامهم بمعايير بيئية صارمة.
وتعهدت اللجنة العليا في الكثير من المناسبات بتنظيم نسخة خالية من البصمة الكربونية من كأس العالم FIFA قطر 2022، من خلال تطبيق أفضل ممارسات البناء التي ستؤثر إيجابيا في الإرث المناخي لدولة قطر والمنطقة، وتصميم وبناء الاستادات، ومواقع التدريب، والبنية التحتية للمواصلات وفقا لمعايير البناء المستدام.
وتلقت استادات كأس العالم FIFA قطر 2022 الثمانية استحسانا لتصاميمها المستدامة، وكيفية إنشائها، وحسن إدارتها اليومية، فضلا عن حصولها على شهادات المنظومة العالمية لتقييم الاستدامة /جي ساس/ من المنظمة الخليجية للبحث والتطوير /جورد/ من فئة 5 نجوم و4 نجوم على الأقل للتصميم والبناء وإدارة المنشآت، إلى جانب شهادات ذهبية للعمليات التشغيلية.
وستغير استراتيجية الاستدامة في كأس العالم FIFA قطر 2022، من طرق تنظيم البطولات ومختلف الفعاليات الرياضية الكبرى مستقبلا، وستعمل على إرساء إرث مستدام يسهم في تعزيز أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، ورؤية قطر الوطنية 2030.
وفي هذا الصدد، نوه المهندس عبد الرحمن المفتاح، خبير الاستدامة والبيئة في اللجنة العليا للمشاريع والإرث، بأن دولة قطر تسعى للوصول إلى ما يعرف بـ/الحياد الكربوني/ خلال استضافة كأس العالم FIFA قطر 2022 عبر تحقيق أربعة أهداف رئيسية، هي رفع مستوى وعي الأفراد والشركاء الرئيسيين وإشراكهم في جهود تحقيق هذه الغاية، ومعرفة المخزون الكربوني الناتج عن الأنشطة المتعلقة بالبطولة، وتحديد أهم مصادر الانبعاثات الكربونية والمعايير الدولية للحد من هذه الانبعاثات، وإجراء موازنة كربونية من خلال الاستثمار في مشاريع خضراء وصديقة للبيئة.
وأوضح المفتاح أن مونديال قطر سيشهد إقبالا كبيرا من المشجعين على استخدام المواصلات العامة وخاصة شبكة مترو الدوحة، مشيرا إلى أن شبكة النقل المتطورة بما فيها /الترام/ وأسطول الحافلات الموفرة للطاقة ستسهم بدور هام في تقليل انبعاثات الكربون، إضافة إلى الحافلات الكهربائية التي سيتم استخدامها خلال مدة البطولة.
وأعدت وزارة المواصلات خططا وبرامج نموذجية توازن بين تحقيق هدف تنظيم أول مونديال خال من الانبعاثات الكربونية، وبين الاستراتيجية العامة للبلاد ورؤية قطر 2030 التي تتضمن التحول التدريجي لاستخدام وسائل النقل الكهربائية والطاقة المتجددة خاصة في قطاع المواصلات، بما يحقق النسبة المطلوبة لخفض معدل الانبعاثات الكربونية الضارة التي تسببها المواصلات التقليدية، بالإضافة إلى تحقيق تضافر كافة الجهود المبذولة لصون الاستدامة البيئية.
وتعتبر شبكة النقل من المحاور الرئيسية في استضافة كأس العالم FIFA قطر 2022، حيث حققت قطر خلال السنوات الماضية طفرة هائلة في تطوير هذا القطاع، وبلغ إجمالي استثمارات شبكة النقل العام خلال السنوات القليلة الماضية 84 مليار ريال، منها 66.5 مليار ريال في تطوير شبكة مترو الدوحة، و13.5 مليار ريال لتطوير ترام لوسيل و4 مليارات ريال للبنية التحتيَّة للحافلات الكهربائية.
وللتخفيف من عدد سيارات وحافلات النقل العام في الشوارع، تم تطوير نظام المواصلات العامة بما في ذلك مترو الدوحة، ومسارات جديدة للحافلات، وأنظمة /الترام/ في مدينة لوسيل والمدينة التعليمية، فضلا عن استبدال 25 بالمئة من الحافلات العامة بحافلات كهربائية للاستخدام خلال البطولة، وكل ذلك بهدف التقليل من الغازات الدفيئة وتلوث الهواء.
وفي إبريل الماضي، تسلمت وزارة المواصلات الدفعة الأخيرة من الحافلات الكهربائية والبالغ عددها 130 حافلة ليكتمل بذلك توريد كافة الحافلات الكهربائية بعدد 741 حافلة كهربائية ليتم استخدامها خلال البطولة، ولتصبح فيما بعد إرثا دائما لوسائل النقل الجماعي للطاقة النظيفة بعد المونديال.
وفي سبيل الوصول إلى حيادية الكربون في كأس العالم FIFA قطر 2022، استفادت قطر خلال مشوارها لاستضافة أول نسخة متقاربة المسافات في التاريخ الحديث للمونديال من الطبيعة الجغرافية التي تتميز بها، حيث لا تتجاوز أطول مسافة بين اثنين من استادات المونديال 75 كيلومترا، الأمر الذي سيُتيح للزوار والمشجعين فرصة البقاء في مقر إقامة واحد طوال فترة البطولة دون تكبد عناء السفر والتنقل من مدينة لأخرى، كما تتصل خمسة من الاستادات المونديالية بمترو الدوحة الذي يعمل كحلقة وصل بين الاستادات، فيما يُمكن للمشجعين الوصول إلى الاستادات الثلاثة الأخرى من خلال حافلات نقل مخصصة لهذا الغرض.
ولا تقتصر مزايا الطبيعة متقاربة المسافات لمونديال قطر على توفير الراحة للمشجعين وعدم الحاجة للتنقل لمسافات طويلة بين الاستادات، فضلا عن تزويد الفرق المشاركة بالأجواء المثلى التي تضمن لهم تقديم أفضل مستويات الأداء، بل إنها تؤدي أيضا إلى التخلص من الأثر الكربوني الناتج عن الرحلات الجوية المحلية التي كان يتعين على المشجعين واللاعبين والمسؤولين والفرق الإدارية المرافقة القيام بها في النسخ السابقة من نهائيات كأس العالم.
وعلاوة على ذلك، فقد راعت تصاميم الاستادات الثمانية للبطولة، الالتزام بمعايير الحد من انبعاثات الكربون بهدف تقليل استهلاك الطاقة والمياه، وإعادة استخدام المياه والمواد وإعادة تدويرها قدر الإمكان.
ومن بين الملاعب الثمانية نجد /استاد 974/ الاستثنائي المتطور كأول ملعب قابل للتفكيك بالكامل في تاريخ بطولات كأس العالم ما جعله يُحلّق بعيدا في فضاء الاستدامة على العديد من الصُعد، نظرا لإنشائه من حاويات الشحن البحري ومواد قابلة للتفكيك تشمل الجدران والسقف والمقاعد.
وسيتم تفكيك أجزاء الاستاد البالغة سعته 40 ألف مشجع وإعادة الاستفادة منها في أغراض أخرى بعد انتهاء البطولة، من ضمنها إنشاء منشآت رياضية داخل قطر وخارجها، كما جرى استخدام أنظمة تبريد عالية الكفاءة وصديقة للبيئة في جميع الملاعب، وتقنيات إضاءة مبتكرة تلبي متطلبات الاستدامة والحفاظ على البيئة، حيث تُولَّد الطاقة المستخدمة في ذلك من الشبكة الرئيسية التي تستقبل الطاقة القادمة من مشروع الخرسعة للطاقة الشمسية.
وقامت اللجنة العليا للمشاريع والإرث بالتعاون مع وزارة البلدية والبيئة، ممثلة في إدارة الرصد والمختبر البيئي، بتركيب محطات لقياس جودة الهواء والانبعاثات الغازية والغبار في ملاعب المونديال.
وستسهم تلك المحطات في تعزيز رصد ومراقبة جودة الهواء المحيط، وضمان تأمين أفضل المعايير القياسية العالمية لجودة الهواء في الدولة، وبشكل خاص أماكن الأنشطة الرياضية ومختلف الفعاليات والبطولات العالمية، وخاصة خلال مونديال قطر 2022.
وفي ما يتعلق بعملية إعادة التدوير في الاستادات المونديالية فقدت اعتمدت بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 العديد من التدابير والإجراءات التي نظمت آلية فرز النفايات والمخلفات خلال مرحلة بناء الاستادات المونديالية، بهدف الحد من البصمة الكربونية.
وكجزء من الإرث البيئي المستدام للبطولة والالتزام بتطبيق معايير الحد من الانبعاثات الكربونية، يعتبر غرس الأشجار جانبا هاما في تصميم الاستادات المونديالية وعمليات تشييدها.
ومع حرص اللجنة العليا للمشاريع والإرث على المحافظة على الأشجار والنباتات المحلية المحيطة بالاستادات وفي الحدائق المحيطة بها، تعتبر حملة “تخضير” التي تم إطلاقها على مستوى الدولة فرصة قيمة لتقليل الانبعاثات الكربونية، الأمر الذي يساهم في بناء إرث بيئي مستدام يعود بالنفع الكبير على المجتمع.
والتزاما بذلك فقد تم إنشاء العديد من المساحات الخضراء المستدامة والحدائق الشاسعة في المناطق المحيطة بالاستادات وأماكن التدريب والأماكن العامة في جميع أنحاء قطر، حيث يتم ري هذه المرافق بمياه معاد تدويرها بنسبة 100%.
(قنا)