على وقع موسيقى الأوبرا وتنظيم باهر في ملاعب أنيقة، استضافت إيطاليا مونديال 1990 لكنه شهد مللاً فنياً غير مسبوق، فأحرزت ألمانيا الغربية لقبها العالمي الثالث وثأرت من أرجنتين مارادونا، بعد خسارة نهائيين توالياً.
عشية اختيار الدولة المضيفة، أعلن الاتحاد السوفياتي مقاطعة أولمبياد لوس أنجليس 84 لدوافع سياسية، فخسر التصويت 5-11 أمام إيطاليا، لتحظى بشرف الاستضافة مرّة ثانية بعد 1934.
كانت ملاعبها قمة في الروعة والحداثة، فجدّدت عشرة أبرزها “ستاديو اولمبيكو” في روما مضيف النهائي و”سان سيرو” في ميلانو حيث جرت المباراة الافتتاحية.
امتلكت إيطاليا آنذاك أقوى دوري في العالم، تمتعت ببنية تحتية مميزة وكان النقل التلفزيوني عالي الدقة للمرة الأولى، فيما أصبحت “نيسّون دورما” للتينور لوتشانو بافاروتي الموسيقى التصويرية للبطولة.
لكن معدل التسجيل جاء ضعيفًا وبلغ 2.21 في المباراة في مملكة اللعب الدفاعي، طُرد 16 لاعبًا وحَسمت ركلات الترجيح أربع مباريات بينها مبارتا نصف النهائي.
مللٌ أدى إلى منع الاتحاد الدولي لاحقًا حراس المرمى بالتقاط كرة معادة من الدفاع ومنح الفريق الفائز ثلاث نقاط بدل إثنتين. في مباراة مصر وإيرلندا، نال حارس مصر أحمد شوبير على نسبة استحواذ عالية، فقال جاك تشارلتون المدير الفني لايرلندا “لم يأتوا لخوض مباراة”.
كان النهائي بين ألمانيا الغربية والأرجنتين (1-0)، الأول يعجز فيه أحد الفريقين عن التسجيل، وقد حُسم بركلة جزاء متأخرة وطُرد لاعبان للفريق الخاسر.
سعت إيطاليا لتقريب الشمال الغني من الجنوب الفقير. ولسخرية القدر، تواجهت في نصف النهائي مع الأرجنتين ونجمها دييغو مارادونا في مدينة نابولي الجنوبية التي وضعها الولد الذهبي على الخارطة العالمية.
دعا مارادونا أهل نابولي للوقوف معه ضد إيطاليا “لمدة 364 يوما يعاملونكم كالقذارة، ثم يطالبونكم بتشجيعهم”. رغم سطوته على المدينة، وقفت الجماهير مع أبناء جلدتها.
وبعد تحطيمه رقمًا قياسيًا بالحفاظ على نظافة شباكه 517 دقيقة، ارتكب حارس إيطاليا والتر زينغا خطأ سمح لكلاوديو كانيجيا بالتعديل 1-1 قبل العبور في ركلات الترجيح.
لكن كانيجيا، صاحب الشعر الأشقر الطويل وبطل اقصاء البرازيل (1-0) في الدور الثاني، غاب عن النهائي بداعي الايقاف مع ثلاثة من زملائه.
قدّمت إيطاليا هداف البطولة سلفاتوري سكيلاتشي (6)، رغم خوضه مباراة دولية وحيدة قبل المونديال.
دخل “توتو” من مقاعد البدلاء وفرض نفسه تدريجًا، قبل أن يفقد موقعه بعد المونديال: مجرد استدعائي كان رائعاً. كنت ساكتفي لو جلست طوال الوقت على مقاعد البدلاء. لكن بعد الاقصاء مع الأرجنتين بركلات الترجيح، تحدّث عن شعوره: بقيت أكثر من ساعتين في غرف الملابس أدخن وأبكي.
في نهائي روما، الوحيد حتى الآن بين نفس المنتخبين في نسختين متتاليتين، اخفق مارادونا بتكرار ملاحم 86، في ظل مراقبة شديدة من غيدو بوخفالد.
قال اللاعب الذي جلس باكيًا في دائرة منتصف الملعب “وعدت ابنتي دالما باني سأجلب الكأس معي”. أما بوخفالد، فقال: دقيقة بعد دقيقة، شعرت بأنه مستسلم وكأنه يقول ماذا؟ أنت مجدداً؟.
طُرد الأرجنتينيان بيدرو مونسون وغوستافو ديسوتي وكانت ألمانيا الغربية الأفضل.
“ماذا احتسب؟ لقد احتسب ركلة جزاء! لقد، احتسب، ركلة جزاء!” كلمات الدهشة للمعلق الألماني غيرد روبنباور، بعد احتساب الحكم المكسيكي إدغاردو كوديسال منديس ركلة جزاء جدلية لمصلحة رودي فولر في الدقيقة 85، رغم اعتراضات الارجنتينيين.
يقول مسجّل الركلة أندرياس بريمه: قبل كل مباراة، كان يتمّ اختيار ثلاثة مسدّدين. رودي فولر تعرّض لخطأ، وكان هناك لوثار ماتيوس، لكنه لم يكن بحال جيدة. جاء فولر وقال لي إذا سجّلت سنصبح أبطالاً للعالم. أجبته شكرا جزيلاً، سأتذكّر هذا الأمر.
وقف بريمه في وجه الحارس سيرخيو غويكوتشيا، بطل دور الـ16 ضد البرازيل وركلات الترجيح في ربع النهائي ونصف النهائي ضد يوغوسلافيا وإيطاليا توالياً.
رغم ارتمائه إلى زاويته اليمنى، إلا أن كرة الأعسر بريمه، وبقدمه اليمنى، عانقت الشباك.
بعد خسارتها نهائيي 82 و86، أحرزت ألمانيا الغربية لقباً ثالثاً بعد 54 و74، معادلة رقم البرازيل، بقيادة فرانتس بكنباور الذي أصبح أول قائد منتخب ومدرب يحرز اللقب.
ختم المعلق الألماني روبنباور “القيصر حصل على التاج” كانت لحظة هامة قبل أشهر من سقوط جدار برلين.
وكانت الأرجنتين ضحية مفاجأة كبيرة افتتاحًا بسقوطها أمام الكاميرون 0-1.
لم تنته مغامرة “الأسود غير المروّضة” عند هذا الحد، فكانت أول منتخب إفريقي يبلغ ربع النهائي، حيث خسرت بصعوبة أمام انجلترا 2-3 بعد التمديد عندما كانت الطرف الأفضل.
عن عمر 38 عامًا، سجّل لها روجيه ميلا 4 أهداف. أمام كولومبيا في الدور الثاني (2-1)، انتزع الكرة من بين قدمي الحارس رينيه إيغيتا المتحاذق، فسجّل في المرمى الخالي محتفلاً برقصة شهيرة.
كان زميله في مونبلييه الفرنسي، صانع اللعب الكولومبي كارلوس فالديراما قد أراه خزعبلات إيغيتا مع الكرة: عرفت انه إذا كنت سريعا بما يكفي ساستغل غلطته. وهذا ما حصل.
كان ميلا يلعب هاوياً في جزيرة لا ريونيون الفرنسية في المحيط الهندي: قبل ستة أشهر من كأس العالم، زرت الكاميرون وأصر الرئيس أن اعود إلى المنتخب.
ضغطت الحكومة على المدرب الروسي فاليري نيبومنياتشي لاستدعائه. لم يشعر بدايةً انه في لياقة جيدة: لكن كرة القدم ليست لعبة بدنية. كنت دوما لاعباً ذكياً، فادركت اني ساحصل على الفرصة بحال كنت جاهزا.
في مباراة إنجلترا، تقدّمت الكاميرون 2-1 وواصلت الاستعراض دون انكفاء، لكن هدّاف 86 غاري لينيكر سجل مرتين من نقطة الجزاء: عشية المباراة، حضرت وسائل الإعلام بكثافة تدريبنا. تعمّدتُ تسديد ركلة لن انفذها في المباراة بحال سنحت لي الفرصة. وبالفعل ارتمى حارس الكاميرون إلى تلك الزاوية.
بعد تخطي قطوع الكاميرون، سقطت إنجلترا بركلات الترجيح أمام ألمانيا، ومعها نجمها بول غاسكوين الذي انهار باكياً بعد نيله انذارا كان سيبعده النهائي لو تأهل “الأسود الثلاثة”.
كانت هولندا بطلة أوروبا في 1988، وتضم ثلاثي ميلان الضارب ماركو فان باستن ورود خوليت وفرانك ريكارد.
لكن الخلافات الداخلية، لعدم رضوخ الاتحاد لرغبة اللاعبين بتعيين يوهان كرويف مدرباً، أدت إلى نتائج سيئة مع المدرب ليو بينهاكر.
خسر البرتقالي أمام ألمانيا 1-2 في الدور الثاني في ميلانو، وكانت بصقة ريكارد على الألماني فولر أبرز مآثر هولندا في هذا المونديال.
(أ ف ب)