“أنجزتم مهمة خمسين سفيرًا”، بهذه الكلمات توجه الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لأعضاء المنتخب التونسي، بعد عودتهم من مشاركتهم المشرفة في مونديال الأرجنتين 1978، حين سطروا إنجاز أول بلد إفريقي وعربي يحقق الفوز في النهائيات العالمية، وذلك على حساب المكسيك (3 – 1).
لكن بعد هذا الإنجاز، انتظر منتخب تونس حتى مشاركته الماضية عام 2018، ليحقق انتصاره الثاني الذي كان هامشيًا، لأنه خاضه وهو فقاد الأمل في بلوغ ثمن النهائي، فهل تكون الثالثة ثابتة لنسور قرطاج خلال مونديال قطر 2022؟.
وعشية مشاركة بلاده في مونديال 2018، قال صاحب الهدف الثالث لتونس ضد المكسيك عام 1978 المختار ذويب لوكالة فرانس قبيل مشاركة بلاده في مونديال 2018 “كنا فريقا منسجماً، تأهلنا لكأس العالم تطلب الفوز على كل المنتخبات الإفريقية وخاصة مصر القوية”.
ضمّ منتخب 1978 لاعبين موهوبين مثل حارس المرمى المختار النايلي، والمهاجمين طارق ذياب وحمادي العقربي والمدافعين علي الكعبي ومختار ذويب الذي رأى “شرّفنا بلدنا على أحسن وجه، حين استقبلنا الرئيس الحبيب بورقيبة قال لنا +أنجزتم مهمة خمسين سفيراً+، كنا بالفعل احسن سفراء حين كانت كرة القدم هواية وليست محكومة بالمادة مثلما نراه اليوم”.
كشف ذويب ان اللحظة التي حمّست المنتخب ضد المكسيك كانت “ما بين الشوطين حين دخل علينا المدرب عبد المجيد الشتالي وقال +ملايين التونسيين ينتظرون الانتصار+. رمى لنا العلم التونسي وانصرف”.
تعليمات الشتالي
ولم يكن اشد المتفائلين بالمنتخب التونسي وبكرة القدم الافريقية عموما بعد تجربة زائير الفاشلة “جداً” في مونديال 1974، يتوقعون ان تقدّم تونس في أوّل عرض لها هذا المستوى وصبت المراهنات في مصلحة المكسيك لتحقيق الفوز.
ورغم سيطرتهم المطلقة على مجريات الشوط، خرج التونسيون متخلفين بهدف في الدقيقة الاخيرة بعد ان عرقل عمر الجبالي لاعب الوسط المكسيكي أنتونيو دي لا توري داخل المنطقة، فاحتسب الحكم الاسكتلندي جون غوردون ركلة جزاء نفذها فاسكيس أيالا بنجاح.
ولم يؤثر الهدف على معنويات لاعبي تونس بعد ان تزوّدوا خلال الاستراحة بتعليمات المدرب القدير الشتالي، وانطلقوا الى الهجوم الضاغط منذ صافرة بداية الشوط الثاني، وتمكن الكعبي من ادراك التعادل بعد 10 دقائق.
وتابع التونسيون تفوقهم الميداني وضغطهم على المرمى المكسيكي، ومنحهم نجيب غميض التقدم في الدقيقة 79، ثم عزّز ذويب الفوز التونسي الكبير بهدف ثالث قبل نهاية المباراة بثلاث دقائق.
لم يكن ذلك الانتصار كافياً للمنتخب التونسي لكي يتأهل الى الدور الثاني ولم يتكرر حتى في أي من مشاركاته الثلاث التالية بين 1998 و2006 حيث اكتفى بثلاثة تعادلات، قبل أن ينجح في النسخة الأخيرة عام 2018 في روسيا بتحقيق انتصاره الثاني على حساب بنما 2-1، في لقاء أنهى شوطه الأول متخلفاً قبل أن يرد في الثاني بهدفي فخر الدين بن يوسف ووهبي الخزري.
لكن هذا الانتصار كان معنوياً لأن المنتخب كان خارج حسابات التأهل الى ثمن النهائي في مجموعة ضمت العملاقين البلجيكي والإنكليزي الذي احتاج لهدف قاتل من هاري كاين لاسقاط النسور 2-1.
“حان الوقت لكي نبلغ الدور الثاني“
وتبدو الفرصة ملائمة الآن أمام المنتخب التونسي لتحقيق فوزه الثالث في مشاركته المونديالية السادسة بما أن مجموعته تضم أستراليا التي تبدو في متناول رجال المدرب جلال القادري.
وكي تكون الثالثة ثابتة، على المنتخب التونسي تجنب الهزيمة في مباراته الافتتاحية ضد الدنمارك قبل التفكير بمباراة أستراليا ومن بعدها الاختبار الشاق ضد فرنسا حاملة اللقب.
وبعد إجراء قرعة النهائيات المقررة على مشارف الشتاء بسبب الحرارة المرتفعة في قطر خلال الصيف، رأى القادري أن الوقت حان أمام تونس لبلوغ الدور الثاني بعد فشلها في ذلك في المرات الخامسة السابقة.
وقال لوكالة “فرانس برس”: “نشارك للمرة السادسة في تاريخ المونديال وقد حان الوقت لكي نبلغ الدور الثاني. الهدف واضح بالنسبة الينا”.
لكنه اضاف “بطبيعة الحال مهمتنا لن تكون سهلة لأننا نواجه فرنسا حاملة اللقب والدنمارك المتطورة وكلتاهما يضمان نخبة اللاعبين العالميين”.
وتابع المدرب الذي استلم مهمته في كانون الثاني/يناير خلفاً لمنذر الكبيِّر، “نحترم جميع المنتخبات لكننا سنواجهها من دون اي عقد”.
واعتبر بان مواجهة فرنسا بالذات “ستشكل حافزا كبيرا نظرا لوجود عدد من لاعبي المنتخب التونسي يدافعون عن الوان اندية فرنسية. كما ان منتخبنا يضم في صفوفه لاعبين يحملون الجنسية الفرنسية ايضا. على العموم سنلعب من اجل تشريف العلم التونسي”.
وعن خوض النهائيات على الارض القطرية حيث خاض المنتخب التونسي تجربة كأس العرب في تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الاول/ديسمبر الماضي حين بلغ النهائي قبل ان يخسر امام نظيره الجزائري، قال القادري “بالتأكيد هذا امر ايجابي لأننا نعرف الملاعب كما اننا حظينا بدعم كبير هنا في الدوحة، لكن الاهم هو الاستعداد جيدا من الآن وحتى النهائيات لنكون على اهبة الاستعداد”.
على موقعه الالكتروني، يصف الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الفوز التونسي في 1978 بـ “الانتصار المثير” الذي “أصبح لحظة فارقة في تطور اللعبة في القارة” الإفريقية، ودفع الى منحها مقعداً ثانياً في المونديال بدءا من النسخة التالية، أي اسبانيا 1982.
أما بالنسبة للفوز الثاني ضد بنما عام 2018، فمر مرور الكرام بما أن المنتخبات الإفريقية باتت رقماً صعباً في النهائيات وقد وصل ثلاثة منها حتى الدور ربع النهائي وهي الكاميرون عام 1990 والسنغال عام 2002 وغانا عام 2010.
(أ ف ب)