“كارلو لا يغضب أبدًا”، هي الجملة التي وصف بها الأسطورة الإيطالية باولو مالديني مواطنه ومدربه السابق كارلو أنشيلوتي، والتي تلخص شخصية الرجل الذي أصبح أول مدرب في التاريخ يحقق لقب دوري أبطال أوروبا لكرة القدم أربع مرات، بعد فوز ريال مدريد، يوم أمس السبت، على ليفربول الانكليزي في ضواحي العاصمة الفرنسية باريس.
عاد الصيف الماضي إلى العاصمة الاسبانية للإشراف على النادي الملكي للمرة الثانية، بعد مرور أول بين 2013 و2015، قاده خلاله إلى اللقب العاشر “لا ديسيما” في 2014، وذلك من أجل الاستمرار في كتابة التاريخ.
وما زال أسلوبه، وإن لم يكن مبهرًا، يؤتي ثماره دائمًا، ففي نهاية نيسان/أبريل الماضي، أصبح “إل ميستر” أول مدرب في التاريخ يحرز ألقاب البطولات الأوروبية الخمس الكبرى بعد قيادته الملكي الى لقب الدوري الاسباني.
واجتاحت صورة الرجل، القادم من بلدة ريجولو في محافظة “إيميليا-رومانيا”، شمالي إيطاليا، خلال احتفالات فريقه، وهو يرتدي النظارات الداكنة والسيغار في فمه إلى جانب اللاعبين مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال حينها، مبتسمًا: “اللاعبون هم أصدقائي”، وها قد ردّوا الجميل له مجددًا في ملعب “إستاد دو فرانس” في النهائي القاري.
ومع هذا التتويج الأوروبي الجديد، بات الإيطالي، البالغ من العمر 62 عامًا، المدرب الوحيد الذي أحرز لقب المسابقة القارية الأسمى أربع مرات (في 2003 و2007 مع ميلان، و2014 و2022 مع ريال مدريد)، متفوقًا على الفرنسي زين الدين زيدان، والإنجليزي بوب بايزلي (ثلاثة لكل منهما مع ريال مدريد وليفربول تواليًا).
وقال بعد الفوز على ليفربول: “أنا رجل قياسي.. كنت محظوظًا للعودة إلى هنا العام الماضي وأن أخوض موسمًا رائعًا”.
“دب كبير لطيف“
ومع ذلك، شهدت مسيرة أنشيلوتي بعض المطبات في السنوات الأخيرة، في نابولي (2018-2019) ثم إيفرتون الإنجليزي (2019-2021)، وهما ناديان أقل شأنًا من تلك التي اعتاد عليها الإيطالي، بعد فشله النسبي، إذا صح القول، على رأس الجهاز الفني لبايرن ميونيخ، الذي أحرز معه لقب الدوري الألماني في عام 2017.
وغالبًا ما وصفه مالديني، قائد ميلان السابق، بأنه “دب كبير لطيف” غير قادر على إراقة الدماء: “لا يمكن أن يحدث ذلك إلا عندما يأكل، لأنه بمجرد أن يحمل شوكة، يتطلب الأمر جيشًا لإيقافه!”.
وهذا الهدوء، الذي يخونه أحيانًا ذاك الحاجب الأيسر الذي يعلو عندما لا تروق الأمور له، هذه العاطفة، بالإضافة إلى الخبرة الكبيرة في التعامل مع اللاعبين ونظرته التكتيكية، هي التي أكسبت أنشيلوتي، بدعم يومي من ابنه ومساعده دافيدي القدرة على الحمل الكبير في نادٍ مثل ريال مدريد.
ورغم مكانته، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا في عام 2015 لإنقاذ رأسه بعد موسم ثان مخيب للآمال في العاصمة الإسبانية.
صانع السلام
لكن قصة الحب بين كارلو انشيلوتي، المتزوج من إسبانية-كندية، و”القلعة البيضاء” لم تنته بعد.
وعندما غادر مساعده السابق زيدان، الذي قاد ريال مدريد إلى لقب دوري الأبطال ثلاث مرات، منصبه الصيف الماضي، استدعى الرئيس فلورنتينو بيريس “كارليتو”، الذي بات أشبه بصانع السلام.
وفي عام 2013، ساعدت مواهبه الديبلوماسية على التئام جروح غرفة خلع الملابس في مدريد، التي أُضرمت فيها النيران من قبل سلفه البرتغالي جوزيه مورينيو.
وفي باريس سان جيرمان، الذي تولى فيه المهام في كانون الاول/ديسمبر 2011، فشل في موسمه الأول بالفوز بالدوري الفرنسي، قبل أن ينجح في ذلك عام 2013، كمكافأة للاستثمار وطموحات الملاك القطريين.
ومع تشيلسي، الذي كان تحت ملكية رجل الأعمال الروسي رومان أبراموفيتش، حقق الثنائية المحلية بتتويجه بلقبي الدوري والكأس عام 2010، قبل أن يرحل في التالي.
“بعد ريال مدريد، سأتوقف“
ومع ذلك، بقي ميلان النادي الأحب إلى قلبه، بعد أن لعب في صفوفه وحقق معه أول أمجاده القارية كمدرب.
وكان لاعب وسط في صفوفه بين 1987 و1992، ثم مدربًا بين 2001 و2009، لذا أمضى كارلو 13 عامًا في النادي اللومباردي.
وداخل المستطيل الأخضر، فاز لاعب الوسط السابق (26 مباراة دولية) بلقبين في دوري الأبطال مع روسونيري عامي 1989 و1990 بإشراف المدرب الأسطوري أريغو ساكي، قبل أن يصبح مساعده في المنتخب الإيطالي، وحل وصيفًا للبرازيل في كأس العالم 1994.
وكمدرب، افتتح المدرب السابق لبارما (1996-1998) ويوفنتوس (1999-2001) سجله مع ميلان بكأس إيطاليا في عام 2003، ولقب الدوري عام 2004 ودوري أبطال أوروبا مرتين في عامي 2003 و2007، علمًا أنه كان على رأس الجهاز الفني خلال الخسارة الشهيرة ضد ليفربول في نهائي المسابقة القارية الأم عام 2005، بعد تقدم الفريق الإيطالي (3 – 0) مع نهاية الشوط الأول.
وبعد تتويجه الرابع في دوري الأبطال، من الصعب تخيل عالم كرة القدم من دون هذا الرجل الذي يلقى احترام وحب الجميع.
وقال في بداية أيار/مايو: “أرغب في قضاء الوقت مع أحفادي، والذهاب في إجازة مع زوجتي، وهناك الكثير من الأشياء التي أهملتها وأود أن أفعلها”، علمًا أنه يرتبط مع ريال مدريد بعقد حتى 2024.
وتابع: “بعد ريال، نعم ربما سأتوقف، لكن إذا أبقاني ريال هنا لمدة عشر سنوات، فسوف أدرب لعشر سنوات”.
(أ ف ب)