يخوض المنتخب المغربي لكرة القدم منافسات كأس الأمم الأفريقية، التي ستستضيفها الكاميرون من 9 كانون الثاني/يناير إلى غاية 6 شباط/فبراير، على أمل تحقيق نتائج إيجابية، ولربما تجديد إنجاز 1976، تاريخ نيله للكأس الأفريقية الوحيدة حتى الآن، لكن “أسود الأطلس” يدخلون غمار النهائيات على وقع جدل كبير، أثاره استبعاد المدرب الفرنسي البوسني وحيد خليلوزيتش لكل من حكيم زياش ونصير المزراوي، وعدم التحاق لاعب برشلونة عبد الصمد الزلزولي بالمنتخب رغم الدعوة التي وجهت إليه، فهل تؤثر هذه الغيابات على أداء الفريق المغربي في هذه التظاهرة الكروية؟ وما هي حظوظه فيها؟.
هل كل الشروط متوفرة اليوم لـ”أسود الأطلس” لخطف الأضواء في نهائيات كأس الأمم الأفريقية 2022، في الكاميرون؟. نظريًا، نعم، برأي العديد من المراقبين الرياضيين، فالترسانة البشرية التي يتوفر عليها الفريق، تشي بأن هذه المجموعة على استعداد تام بأن تحقق نتائج إيجابية في النسخة الثالثة والثلاثين من البطولة.
وحلم “أسود الأطلس” للفوز بالكأس قديم جدًا، عمره 46 عامًا تحديدًا، بعد أن كان لأحمد فرس، أحد أمهر اللاعبين المغاربة في سنوات السبعينات، وزملائه شرف نيلها في 1976 بإثيوبيا، إلا أنه منذ ذلك التاريخ توالت الخيبات، ولم يتمكن المغرب من انتزاعها إلى الآن، وإن كان اقترب من تجديد هذا الإنجاز في 2004 حيث كان على مرمى حجر من التتويج بقيادة المدرب والحارس المغربي العملاق السابق بادو زاكي، لكنه فشل في النهائي أمام تونس بهدفين مقابل هدف واحد.
ويركز الاتحاد المغربي لكرة القدم “الجامعة” منذ سنوات جهوده على هذا الهدف. وهذا يظهر بوضوح في مضامين العقد الذي أبرمه مع المدرب الفرنسي البوسني وحيد خليلوزيتش، إذ هو مطالب بالوصول إلى نصف النهائي على الأقل وإلا سيكون مدعوا إلى مغادرة موقعه. “المدرب الجديد كلّف بالوصول إلى نصف نهائي كأس الأمم الأفريقية المقبلة. والفشل في تحقيق هذا الهدف سيؤدي تلقائيا إلى إنهاء العقد”. وفق ما جاء في تصريح سابق لرئيس الاتحاد المغربي فوزي لقجع.
اختيارات تثير انتقادات
تقلد خليلوزيتش مسؤولية الإدارة الفنية لأسود الأطلس خلفا للفرنسي هيرفيه رونار صيف عام 2019 بعد الخروج المخيب من الدور ثمن النهائي للنسخة الثانية والثلاثين لكأس أمم أفريقيا في مصر بخسارة مدوية أمام بنين 1-4 بركلات الترجيح بعد التعادل 1-1 في الوقتين الأصلي والإضافي، وفشل أسود الأطلس في استغلال نقص عددي للمنتخب المنافس في الجزء الأكبر من الشوطين الإضافيين.
مع وصوله إلى المنتخب المغربي، بدأ خليلوزيتش “في بناء مرحلة جديدة، أعطى خلالها الفرصة لجميع اللاعبين”، يشير الصحافي الرياضي أيمن زيزي في حديث لفرانس24، قبل أن يضيف أنه “استقر في المرحلة الثانية قبل خوض تصفيات كأس العالم على تشكيلة معتمدا فيها على وجوه شابة جديدة”. واستطاع أن يحقق معها نتائج طيبة.
لكن اختيارات المدرب الفرنسي البوسني في انتقاء اللاعبين، الذين سيمثلون المغرب في كأس الأمم الأفريقية، واجهت عددا من الانتقادات، لاسيما باستبعاده للاعبين اثنين، حكيم زياش ونصير المزراوي لأسباب “انضباطية”، يعتقد عدد من الملاحظين الرياضيين أنه كان بإمكانهما أن يشكلا إلى جانب المجموعة فريقا أكثر قوة، ويعيبون على خليلوزيتش أنه بهذا الاختيار قد يكون حرم خط الهجوم خاصة من عطاءات زياش مهاجم تشيلسي الإنكليزي.
لكن المدرب الفرنسي البوسني، كان له تبريره لاختياره، عبر عنه بشكل غير مباشر خلال مؤتمر صحافي خصص للإعلان عن تشكيلة “الأسود”، قال فيه: إن “انسجام المجموعة مسألة هشة وبعض السلوكات السيئة يمكن أن تزعزعها”، مضيفا “هناك أجواء جيدة حاليا ولن أسمح لأحد بإفساد ذلك”.
قضية الزلزولي..الضربة المؤلمة
وإضافة إلى قضية زياش والمزراوي، جاءت قضية مهاجم برشلونة عبد الصمد الزلزولي الذي طلب تأجيل انضمامه إلى “الأسود” حسب رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم فوزي لقجع، لتزيد إلى حد ما من تعكير أجواء الأنفاس الأخيرة من استعدادات المنتخب المغربي لخوض المسابقة، بل شكلت، حسب البعض، ضربة مؤلمة بالنسبة لخليلوزيتش.
وذكرت صحيفة “لو360” الإلكترونية المحلية، المقربة من مراكز القرار، أن الزلزولي “يرفض حمل قميص المنتخب” المغربي، موضحة أنه “بات يفضل تمثيل المنتخب الإسباني بعد حصوله على الجنسية الإسبانية”. فيما تحدثت تقارير إعلامية عن ممارسة الاتحاد الإسباني لكرة القدم ضغوطا عليه، من أجل إقناعه بعدم تمثيل المغرب وإغرائه بتمثيل منتخب “لاروخا” لاحقا.
وفي حديث لقناة “فرانس 24” التلفزيونية، ينظر الدكتور الباحث المغربي في السياسات الرياضية منصف اليازغي بعين التفاؤل إلى المجموعة الحالية التي تشكل المنتخب دون إشراك الزلزولي. “فهو أصلا لم يكن ضمن المجموعة”، يلفت اليازغي، “ولم يكن خيارا أساسيا…وحتى وجوده قد يكون مربكا له وللمنتخب بحكم أنه لم يسبق له خوض أية مباراة رسمية بأفريقيا. يبقى أن المجموعة الحالية تشكل المستقبل …وولادة منتخب جديد بعد جيل بنعطية والأحمدي” وفق قوله.
ويتوفر المنتخب المغربي على عناصر من المرشح أن يبرز نجمها في هذه التظاهرة. ويعول خليلوزيش على لاعبين غالبيتهم من المحترفين في نواد أوروبية كبيرة، في مقدمتهم نجم باريس سان جرمان الفرنسي أشرف حكيمي، ومهاجما نادي إشبيلية الإسباني يوسف النصيري ومنير الحدادي. ويأمل المدرب الفرنسي البوسني أن يواصل المهاجمان أيوب الكعبي (هاتاي سبور التركي) وريان مايي (فيرنتسفاروش المجري) تألقهما في خط هجوم “الأسود” على غرار تصفيات كأس العالم، إذ تمكن الأول من هز الشباك خمس مرات والثاني سجل أربعة أهداف.
حظوظ “أسود الأطلس”؟
يوجد المغرب في المجموعة الثالثة رفقة ثلاثة منتخبات هي: غانا، الغابون وجزر القمر. ويعتبرها البعض مجموعة سهلة بالنسبة له، ويرشحونه أن يحتل الصدارة فيها. ويتأهل متصدر وبطل كل مجموعة وأفضل أربعة منتخبات، تحتل المركز الثالث في المجموعات الست، إلى دور الـ16.
وحسب اليازغي، “فالمغرب يدخل الدورة بثوب الباحث عن أفضل نتيجة…وليس بثوب الباحث عن اللقب. ذلك أن مردودية المنتخب في التصفيات التي جرت كلها بالمغرب لم تكن مقنعة رغم فوزه بالعلامة الكاملة وتحقيقه لأرقام مذهلة دفاعيا وهجوميا. وما زاد من حملة التشكيك خروج منتخب المحليين من دور ربع نهائي كأس العرب…الشيء الذي جعل الرأي العام يشكك في كل شيء من بطولة ومنتخبات وجامعة كرة القدم. هذا المعنى قد يكون إيجابيا…فمقابل دخول المغرب بثوب البطل في 1998 و2006 و2019 بدون تحقيق أي شيء…فإن دخوله بصفته منتخبا عاديا يبحث عن تجاوز الدور الأول في دورات 1976 و1980 و2004 جعله بعيدا عن الضغوط ونجح في تحقيق إما اللقب أو الوصافة أو على الأقل الصف الثالث”.
ويضيف اليازغي أن “تركيبة المغرب شابة…وتمارس في أندية محترمة…والأكيد أن هذا المنتخب يحمل مؤشرات المفاجأة…والصورة الحقيقية ستظهر في أول مباراة أمام غانا…خصوصا أن المغرب كان أول الواصلين للكاميرون بإمكانيات لوجيستيكية ملفتة” حسب تعبيره.
وينفي اليازغي أن يؤثر غياب زياش ومزراوي على أداء المنتخب، فبالنسبة له، “منتخب دولة لا يمكن أن يتأثر بغياب لاعب أو لاعبين…صحيح أن الأمر يتعلق بلاعب من حجم زياش ومزراوي…لكن غيابهما يندرج ضمن قناعة المدرب…الذي يحسب له رفضه للمساومة وفرضه للانضباط. صحيح أن غياب اللاعبين مهمين…لكن البديل ربما موجود…وقد يحمل ذلك بروز لاعبين ربما أفضل”.
ومن جانبه، يذكر الصحافي الرياضي أيمن زيزي في حديث لفرانس24 بأن “اللاعبين لم يكونا حاضرين في الفريق في الفترة الأخيرة، والتشكيلة التي سيعتمد عليها خليلوزيتش كانت منتظرة، لأنه من الصعب الاستغناء عن مجموعة حقق معها نتائج إيجابية. وكان من غير المنطقي استدعاء لاعبين لم يعتمد عليهم في المدة السابقة”.
وستشكل الأزمة الصحية عاملا مهما في هذه الدورة، حسب زيزي، بل يرى هذه النسخة “استثنائية جراء انتشار متحور أوميكرون، ما قد يعرض لاعبين للإصابة وهذا بإمكانه أن يؤثر على الخيارات التقنية للمدرب وبالتالي مستوى عطاء المنتخبات” بما فيها المنتخب المغربي.
وتحفظ زيزي عن إعطاء تكهنات حول حظوظ المنتخب المغربي، معتبرا أن “الكرة الأفريقية لها خصوصياتها، وتاريخ المنافسات يؤكد لنا أن أبرز المرشحين للفوز بالكأس في كل دورة، يخرجون خاويي الوفاض”. لكن يحدد ثلاثة مفاتيح للمنتخب المغربي لانتزاع الكأس: “الالتزام بالبروتوكول الصحي لتفادي الإصابات، الإرادة والعزيمة ثم الحضور البدني”.
(فرانس 24)