أمم إفريقيا: حكيم زياش من مُبعَدِ المدرب المغربي إلى مفتاحه بحثاً عن لقب مغربي

في زهاء عامين، تحول حكيم زياش من لاعب خارج حسابات مدرب المنتخب المغربي لكرة القدم، الفرنسي هيرفيه رونار، إلى مفتاح يعول عليه لقيادة أسود الأطلس للقب كأس الأمم الإفريقية للمرة الأولى منذ 1976.

هي باختصار قصة صراع بين جبلين وجيلين، حيث يرغب شاب في السادسة والعشرين من عمره، في البقاء على المستطيل الأخضر، لاعب وسط موهوب في التمرير ومداعبة كرة دائمة الانجذاب الى قدم محنكة، مراوِغة… ومن جهة أخرى، مدرب مخضرم (50 عاماً) ذو تقاسيم حادة وتعابير صارمة رغم ابتسامة عريضة ترتسم على وجهه بين حين وآخر.

وتمرّس رونار في كرة القدم تحت الشمس الإفريقية الحارقة، تلميذاً نجيباً لكلود لوروا، قبل أن يتفوق عليه ليصبح أول مدرب يتوج باللقب القاري مع منتخبي زامبيا المفاجأة، في 2012، وساحل العاج المتقدة، عام 2015.

وبالمقابل، تلقن زياش أسس كرة القدم تحت الأجواء الهولندية، متدرجاً في الفئات العمرية لنادي هيرينفين ولعب لموسمين مع تونتي، قبل أن ينتهي به المطاف صيف العام 2016 مع النادي العريق أياكس أمستردام.

وفي سن النضج، اختار زياش اللون الأحمر المغربي، متخلياً عن البرتقالي الهولندي الذي حمله، لمنتخبما دون 21 عاماً، ففي بلاد ولاّدة للنجوم، لم يمر قراره مرور الكرام، وجعله عرضة لانتقادات أبرزها من الأسطورة ماركو فان باستن، الذي أشاد به “لاعباً كبيراً… لكن كيف يمكن له أن يكون غبياً الى حد اختيار منتخب المغرب”، بدلاً من هولندا.

وخاض زياش مباراته الدولية الأولى مع المغرب في تشرين الأول/أكتوبر 2015، قبل أشهر من تعيين رونار مدرباً في شباط/فبراير 2016.

ونشأ توتر على الفور بين المدرب واللاعب، ولم يشارك زياش بقدر ما كان يرغب، وتدرجت العلاقة سوءا، حيث اُستبعد بدايةً، ثم رفض الالتحاق بالمنتخب لدى استدعائه في منتصف 2017، بعد أشهر من استبعاد شمل كأس أمم إفريقيا مطلع العام ذاته في الغابون.

ووجه رونار انتقادات لاذعة إلى زياش، وكان يضيق ذرعاً بأسئلة الصحافيين عنه، وبتحيات الجمهور المغربي للاعب خلال مباريات غيابه.

وفي نيسان/أبريل الماضي، خرج المدرب عن صمته بشأن العلاقة المتوترة، وصولاً الى عودة زياش إلى التشكيلة في أواخر 2017 بعد جلسة صلح بتدخل من رئيس الاتحاد، فوزي لقجع.

وأوضح رونار لقناة “أر أم سي” الفرنسية إن جذور التوتر تعود لمواجهة منتخب الرأس الأخضر ذهاباً وإياباً، في آذار/مارس 2016، ضمن تصفيات أمم إفريقيا، عندما استبعد من تشكيلة 18 لاعباً وجلس في المدرجات، واقتصار مشاركة زياش على دقائق غير كافية إياباً في المغرب “بدأنا على أسس صعبة… من الواضح أنه لم يكن راضياً”، بحسب قول المدرب.

وأضاف في تلاوة لفعل الندامة: “أعتقد أنني ارتكبت خطأً من خلال عدم التحدث إليه.. كل ذهب في طريقه… لكنني قادر اليوم على القول إن حكيم لا يتحمل أي مسؤولية لأنه لم يظهر أبداً شخصيةً سيئةً، ولم يعلق سلباً، بل على العكس احتفظ بصمته، وكان غير راضٍ بطبيعة الحال”.

وبعد مرور نحو عام، وبدفع من مسؤولي الاتحاد المغربي “ذهبنا الى أمستردام (للقاء اللاعب) وبعد ثلاثة دقائق من بدء الحديث كان قد تم حل كل شيء.. هو كان راغباً في العودة إلى التشكيلة نظراً لارتباطه الوثيق بالمنتخب الوطني، وأنا كنت في حاجة إليه واعترفت بأخطائي، ومسؤوليتي عن هذا الخطأ بنسبة 99%”.

وختم رونار بالبقول: “باختصار هذه هي بداياتي مع حكيم.. الموضوع تم حلّه، وأكثر”.

وطوى الرجلان الصفحة المتوترة، حيث عاد زياش الى المنتخب، وواصل رونار المضي قدماً بتشكيلته، وكانت المحطة الأبرز مونديال روسيا 2018، حيث عاد المغرب إلى النهائيات بعد غياب 20 عاماً، بحنكة المدرب وتشكيلة جيل هو من الأفضل لأسود الأطلس منذ أعوام، بمواهب مثل زياش، نور الدين أمرابط، يونس بلهندة، خالد بوطيب، وغيرهم.

وكان المنتخب قاب قوسين أو أدنى من العبور إلى دور الـ16، لكن الحظ العاثر والوقوع في المجموعة الأصعب التي ضمت إسبانيا والبرتغال وإيران، جعل المشوار يتوقف عند عتبة دور المجموعات.

وفي مصر، حيث يستعد المغرب يوم الجمعة للقاء بنين في الدور ثمن النهائي لأمم إفريقيا 2019، كال رونار المديح لزياش بعد موسم ساهم خلاله بقيادة فريقه إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، في ثاني محطة بارزة له في القارة العجوز خلال عامين، بعد نهائي مسابقة “يوروبا ليغ” 2017.

وخسر أياكس وزياش في المرتين (دوري الأبطال أمام توتنهام، ويوروبا ليغ أمام مانشستر يونايتد الإنكليزيين)، لكن اللاعب بات يتسلح بخبرات يرى فيها رونار مفتاح المغرب لمحاولة إحراز اللقب القاري الثاني في تاريخه.

وقال المدرب إن زياش “بلغ مستوى مذهلاً هذا الموسم، وخلال التحضيرات هو على الطريق نفسه، وهذا جيد جداً بالنسبة إلينا.. نحتاج إلى لاعب مفتاح مثل (المصري) محمد صلاح”، الذي ساهم بقيادة ليفربول الإنكليزي إلى لقب دوري الأبطال الأوروبي في الموسم المنصرم.

ورأى أن زياش هو “القادر في كل لحظة من المباراة على إيقاد شرارة تصنع الفارق، هذا ما أقدره لدى حكيم منذ موسمين تقريباً… هذا العام تخطى عتبة جديدة، لذا نطلب منه أن يتخطى أخرى على المستوى الدولي وسنكون كلنا معه ليوصلنا الى أبعد مدى ممكن، وسنكون جميعاً خلفه”.

اللمحة الأبرز لزياش حتى الآن في البطولة كانت ركلة حرة أتى منها هدف الفوز المغربي المتأخر بنيران صديقة ضد ناميبيا في الجولة الأولى للمجموعة الرابعة، التي أنهاها المنتخب بثلاثة انتصارات وشباك نظيفة.

وقال رونار بعد مباراة ناميبيا رداً على سؤال عما إذا قدم زياش ما ينتظره منه “نعم، بالتأكيد.. لاعب قادر على توفير كرات جيدة إلى هذا الحد من الركلات الحرة أو الركنية، يشكل صعوبة دائماً بالنسبة إلى الخصم”.

وأضاف بعبارة تصلح لوصف مسار زياش معه: “في كرة القدم المثابرة مطلوبة، يجب أن تواصل، تصرّ، وهذا ما يؤتي ثماره في نهاية المطاف”.

(أ ف ب)